اتصل بنا خريطة الموقع مواقع مهمة الاستقبالاتصل بنا  
   
  Fr | Ag    
   
في إطار برنامج التعاون الثنائي بين تونس والصندوق العالمي لمكافحة السيدا والسل والملاريا، تنظم الشبيبة المدرسية أياما تحسيسية وتوعوية لفائدة الشباب المدرسي في التثقيف الصحي حول السيدا ...التفاصيل

مارس 2024
LuMaMeJeVeSaDi
123
45678910
11121314151617
18192021222324
25262728293031




Global Fund


 


الملابسات السياسية التي مهّدت لبعث الشبيبة المدرسية

الملابسات السياسية التي مهّدت لبعث الشبيبة المدرسية

من الصعب تحديد تاريخ مضبوط لتعيين موعد لتاريخ الحركة الوطنية في تونس بعيد انتصاب الحماية الفرنسية إذ أن المقاومة لنظام الحماية انطلق تقريبا مع دخول القوات الأجنبية ببلادنا وكانت متفاوتة من حيث الحدة والعنف ولعل ابروها التي شنها وقادها زعماء الجهات. فمدينة صفاقس ثارت بقيادة محمد كمون ومحمد الشريف وساعدها علي بن خليفة ودعمها بفرسان نفات ووصلتها لجنة من عروش الزلاص وأخرى من أولاد عزير بن همامة .
وثارت قبائل الهمامة بجهة قفصة بزعامة احمد بن يوسف وتحركت قبائل الفراشيش بجهة القصرين بقيادة الحاج حراث. وثار أولاد عيار بالكاف بزعامة علي بن عمار.
ولم تبقى مدينة أو قرية الا وانبرت للإسهام في حرمة المقاومة أو لإعانة المقاومين وكانت ثورة الشعب تلقائية تتجانس وتبعه النضالي الذي جبل عليه منذ القدم لكنه كان يفتقر إلى قيادة جريئة حازمة لها الكفاءة والمقدرة على جمع شتاته وتوحيد صفوفه والقدرة على التحليل وضبط الخطط واتخاذ القرارات واستنباط كل ما من شانه أن يوفر للطاقات المناضلة قوة الدفع والمثابرة ولان توصل المستعمر إلى ضرب هذه الحركات والقضاء عليها فانه لم يفلح في القضاء نهائيا على روح النضال التي وان ضلت خامدة فإنها كانت تتحين الفرص للتعبير عن سخطها وخضبها وعدم استكانتها للاستعمار .
وبعيدا عن مسرح الأحداث كانت هناك نخبة تتحسس طريقها في تحليل الوضع السائد في البلاد للخروج بها من الحالة التعيسة التي كانت تحياها وانتشال الشعب من المهانة وصيانة الشخصية التونسية العربية الإسلامية وتخليصها من أسباب الذوبان والمسخ . ولعل ابرز هذه النخبة هي جماعة جريدة الحاضرة الذي عبروا عن معارضتهم لنظام الحماية بواسطة المقالات ودافعوا عن الشخصية التونسية ونادوا بسياسة الاندماج وتدخلت الدولة الحامية في الشؤون الداخلية للبلاد، ويسجل لنا التاريخ في هذه المرحلة اسم شخصيتين لامعتين هما الشيخ محمد السنوسي والأستاذ البشير صفر.
وقد تعاون الجميع تأسيس الجمعية الخلدونية سنة 1895 التي أسندت رئاستها للأستاذ البشير صفر فجل منها مركز إشعاع للثقافة العصرية إذ حملت لواء jeunesseالتجديد الفكري وأثرت في الشباب المدرسي التونسي تأثيرا كبيرا الذي برز في صفوفه آنذاك علي باش جانبا وأخوه محمد باش جانبا. وبالرغم من أن طابع الجمعية كان طابعا ثقافيا بحتا فقد كان لنشاطها اثر فعال في إيقاظ الضمير الوطني.
وقد تعزز دور الخلدونية ببعث جمعية قدماء الصادقية سنة 1905 على أيدي مثقفيها لم يرتبطوا بالوظائف بل اشتغلوا بالمهن الحرة مثل عبد الجليل الزاوش وأحمد الغطاس ومحمد القلاتي وعلي باش حانبة مؤسس جريدة التونسي سنة 1907 من المحامين ، وحسن بوحاجب واحمد الشريف من الأطباء، وخير الله بن مصطفى ، المترجم العدلي. وكانت ثقافتهم الفرنسية العليا وانتسابهم إلى الجامعة الفرنسية يجلب لهم إكبار الكتاب والمفكرين من الفرنسيين وعدم انتمائهم للوظيفة جعلهم في مأمن من كل مضايقة إدارية مهما كان نوعا .
وقد ابتدأت الجمعية عملها في أوائل سنة 1906 على أساس تقرير حرره علي باش حانبة وأسندت رئاستها إلى الأستاذ خير الله بن مصطفى وقد بدأت جمعية قدماء الصادقية في أول أمرها ذات صبغة ثقافية غربية فازور عنها أهل الثقافة العربية من خريجي جامع الزيتونة والخلدونية وتلامذتها . إلا أن رئيس الجمعية، الأستاذ خير الله بن مصطفى ، الذي كان متقدما في السن على بقية رفاقه ومتغذيا بتربية وثقافة واسعتين عمل على جمع الشمل وسعى لحمل رفاقه على فتح باب المسامرات باللغة العربية في ناديهم ولم تكن المحاضرات معروفة أصلا بتونس يومئذ فكان مع إلقاء المحاضرات الفرنسية بنادي قدماء الصادقية يفكر في مواضيع يمكن أن يحاضر فيها أساتذة اللغة العربية ورجال التفكير الإسلامي من شيوخ الزيتونة. وقد تيسر له ذلك فألقى الشيخ الطاهر بن عاشور أول محاضرة عربية في تونس وكان موضوعها « أصول التقدم والمدينة في الإسلام » والشيخ محمد الخضر حسين محاضرة عنوانها « الحرية في الإسلام » والسيد محمد النخلي محاضرة عنوانها « دولة المأمون ». وشاركت الخلدونية شقيقتها الصغرى ففتحت هي أيضا باب المحاضرات . وكان من محاضريها الشيخ محمد الخضر حسين الذي ألقى محاضرة عن حياة اللغة العربية وكان من اثر هذه المحاضرات إن فتح باب جديد للنتاج الأدبي ودخل الزيتونيون إلى نادي الصادقية فرجع العنصران إلى الامتزاج بعد أن سارا برهة في طريق الافتراق وحركة دعاة التطور المتطرفين إلا أن غايتهم يمكن تحقيقها باللغة العربية وفي ذل ثقافتها. فتقومه حركة مؤسسي قدماء الصادقية . كما كان للمعاملة الاستعمارية دور هام في رد الشبيبة المدرسية التونسية إلى حضيرتها الوطنية وجعلها تشعر بمسؤوليتها نحو شعبها ووطنها.
وقد أدرك الشباب أن التعليم من الأسس المعتمدة لبعث النهضة والتطور فطالبوا بنشره ولكن هذه الفكرة وجدت معارضة من قبل المعمرين والجالية الفرنسية سرعان ما انقلبت إلى استنكار وتنديد واضحا وذلك خوفا من أي يزاحم المثقفون التونسيون أبنائهم في الوظيفة العمومية التي كانت حبسا عليهم. وقد كان يخشى من التعليم الصادقي الذي يجمع بين اللغتين ، ومن ثمة كان دور الشباب المدرسي الصادقي فعالا في النهضة الفكرية والحركة الوطنية إذ أصبح يمثل نقطة تحول يمكن أن يقترن ميلادها بميلاد العمل الوطني الثابت والأصيل، إذ اتضحت الرؤية وبدأ الوعي الوطني يشمل جل الطبقات المثقفة .
وإذا كانت الخلدونية قد لعبت دورا هاما مع جمعية قدماء الصادقية وكانتا بمثابة المعهد الذي تلقى فيه التوجيهات الوطنية قبل التوجيهات العلمية فان منظمة ثالثة- الشبيبة المدرسية – انشقت عن قدماء الصادقية لتساهم هي الأخرى بدور فعالا في نشر الثقافة والتربية والروح الوطنية بين صفوف الشباب المدرسي التي تفرعت عن جمعية قدماء الصادقية سنتي 1933 – 1934.